فن

سليمان عازم (1918-1983) مطرب الحكمة وأسطورة المنفى 

هو ليس مجرد مطرب أو فنان، بل هو مدرس ومربي بكلامه الموزون وفنه الهادف والملتزم… خلد اسمه في تاريخ الأغنية القبائلية الأصيلة والفن الجزائري، هو صوت الحكمة والمنفى الذي تغنى بالوطن والحنين إليه أملاً في العودة للعيش بين أحضانه يوماً ما… فيعتبر من أول المطربين المنفيين من أرض الوطن بسبب آرائهم ومواقفهم… إلا أن أغانيه جعلت منه رمزاً للأصالة والنضال على مدار السنوات.

هو سليمان عازم أسطورة المنفى، المولود يوم 19 سبتمبر سنة 1918 بقرية أڨني ڨغران بمنطقة واضية بتيزي وزو. كان اِبن فلاح بسيط، عاش سنوات طفولته في القرية بين المنزل والمدرسة التي لم يولي لها اهتماماً كبيراً بقدر ما اِهتم بالغناء وحفظ القصائد، وكان يحب القصص والحكايات التي استمد منها عدة أغاني في مساره الفني.

انتقل إلى مدينة الجزائر وعمره لا يتجاوز 11 سنة، واستقر هناك لبضعة سنوات، ليس من أجل الفن بل بحثاً عن لقمة العيش… وبسبب سوء الأوضاع في البلاد، هاجر إلى فرنسا سنة 1937 أين تعززت موهبته الفنية وأبرز قدراته في الغناء أمام المهاجرين في أحد المقاهي الباريسية. وفي نفس الوقت كان عاملاً بسيطاً في ميترو باريس وهو ما ذكره في أولى أغانيه ”أ موح أ موح” التي سجلها سنة 1948 وكانت الإنطلاقة لمسيرة فنية طويلة وحافلة بالعطاء.

عرف سليمان عازم بمواقفه المعارضة للاستعمار والديكتاتورية، وبنضاله المبكر عن اللغة والثقافة الأمازيغيتين، ما تسبب في نفيه من بلاده منذ سنة 1962، وعاش بقية عمره في المنفى، ليكون لقبه “أسطورة المنفى”.
كما أن السلطات قد أمرت بمنع بث أغانيه في الإذاعة الوطنية أو التلفزيون العمومي، لما كانت تحمله من رسائل سياسية ومواقف اِلتزم بها الفنان طيلة عمره، فقد تنوعت مضامين أغانيه، إذ أنه غنى عن الغربة ومتاعبها، المرأة، قضايا المجتمع، الوطن، الهوية والأصالة… ولاسيما أغانيه الشهيرة التي تغنى فيها بحب الجزائر، فنستشعر في صوته مدى قسوة الغربة وألمه وحزنه وهو بعيد عن موطنه.

حظي دا سليمان باِحترام الجميع جيل بعد جيل، حيث كان رجلاً حكيماً ذو بصيرة ونظرة مميزة للأشياء، إذ أنه ذكر في أغانيه أموراً ومسائل معينة خلال سنوات الخمسينات والستينات، لم يتوقع أحد أن نراها ونعيشها في أيامنا هذه.

في سنة 1970 تحصل على القرص الذهبي نظراً لشهرته الواسعة ونجاح معظم روائعه، والتي نذكر منها “إظهرد واڨور” (ظهر القمر)، “دادا مزيان”، و”يكفا لامان” (إنتهت الثقة) و ”أدزي الساعة” (سيدور الزمن)، وعن الحنين إلى الوطن أدى رائعة ”ذاغريب ذا براني”، “ثامورثيو”، ”ايافروخ إفيرلس”… ولعل أشهر أغانيه أغنية ”افغ اياجراد تامورثيو” (اخرج من بلادي يا جراد) التي ترك بها بصمة مميزة في قلوب محبيه.. مع روائع أخرى أطرب بها قلوب محبيه قبل أن يطرب أسماعهم، وتبقى خالدة في موروثنا الثقافي الأصيل.
كان سليمان عازم مصدر إلهام للعديد من الفنانين الذين تأثروا بفنه الملتزم ورددوا روائعه أمثال كمال مسعودي ومعطوب لوناس. كما عرف بتعاونه مع عدة فنانين، إلا أن التعاون الأبرز كان مع رفيق دربه الفنان الشيخ نورالدين سواءً في الغناء القبائلي أو الكوميديا الغنائية، مع إنتاج عدة أعمال فكاهية.

إنطفأت شمعة سليمان عازم بالمنفى يوم 28 جانفي سنة 1983 ودفن في باريس بعيداً عن أهله ومحبيه، وغادر هذا الكون دون أن يحقق أمنيته الوحيدة التي رددها في أشعاره وهي العودة إلى أحضان وطنه.


بقلم : يانيس حاجم – Yanis Hadjem

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى