الشعبي … فن و تاريخ
الشعبي هو طابع موسيقي جزائري ، كان ميلاده بمدينة الجزائر ، فهو مزيج بين طبوع جزائرية أصيلة و هي الموسيقى الأندلسية ” الصنعة ” و الشعر المحلون و المديح الديني .
هناك من صنف الشعبي من بين طبوع الفن الأندلسي ، و أيضا من زعم أنه منبثق من الموسيقى الأمازيغية و الطابع الڨناوي الصحراوي في إيقاعاته و ألحانه .
تستعمل فيه آلات موسيقية تقليدية كالعود ، البانجو ، الناي ، الكويترة .
و كانت القصيدة الشعبية سابقاً طويلة ، ثم مع التطورات و التجديدات التي أضافها الفنانين عبر السنوات ، أصبحت أغنية الشعبي متلائمة مع العصرنة الفنية التي شهدها الغناء و الطرب في العالم .
قبل ظهور الشعبي كان المدح أو المديح الديني هو النوع الغنائي الأكثر اِنتشاراً في مدينة الجزائر و ضواحيها ، و يعتبر سلفاً لفن الشعبي. و قبل هذا كان طابع العروبي في الموسيقى الأندلسية هو الفن الأقدم المتمركز في المنطقة .
و في مطلع القرن العشرين برز الشيخ الناظور ( 1873-1926 ) كرائد للمديح و عميداً للمداحين ، و هو معلم و أستاذ الحاج محمد العنقة ( 1907-1978 ) الذي هو بمثابة الأب الروحي للأغنية الشعبية و الذي بدأ يرسم دربه في الفن منذ الصغر بإحيائه الحفلات و الأعراس .
أين كانت فكرة التجديد تتبلور في ذهنه ، فقد جدد فن المديح و أدخل الآلات الموسيقية و خاصة العود لمرافقة صوت المطرب ، فقد أعطى العنقى لمسة خاصة و مميزة الشكل للموسيقى العاصمية ، ليكون ميلاد الطابع الشعبي على يد أهم رواده الأوائل : الحاج منور ، الحاج مريزق ، و الكاردينال الحاج محمد العنقة .
ثم أبدع في هذا الفن فنانين عباقرة من يهود الجزائر أمثال المطربة ليلي العباسي التي اِشتهرت في ثلاثينات القرن الماضي .
ثم ظهرت كوكبة من الفنانين الذين رسخوا الكلمة الطيبة و الحكمة الصادقة في عقول الجزائريين ، و قاموا بواسطة الموسيقى العذبة و بألحانها الشجية بجذب قلوب عشاق الشعبي و الذين تعاملوا مع الأستاذ محمد الباجي .
و من بينهم المطرب دحمان الحراشي (1925 – 1980 ) بأغنية ” يا الرايح وين مسافر ” و بوجمعة العنقيس ( 1927-2015 ) المجدد هو الآخر و المعروف بالطقطوقة ، و الذي تخلى عن الشكل التقليدي للقصيدة الشعبية .
فهو صاحب رائعة ” راح الغالي راح ” و الكبير عمر الزاهي ( 1941-2016 ) الذي أطربنا بصوته المميز بأغنية ” المقنين الزين ” ، و كذلك الفنان القدير الشيخ معزوز بوعجاج الذي لا يعلو فوقه صوتا في الشعبي بمدينة مستغانم .
و الراحل الهاشمي ڨروابي بـ” البارح كان في عمري عشرين ” .
و لا يمكننا الحديث عن الهاشمي ڨروابي ( 1938-2006 ) دون ذكر الأستاذ الملحن و المؤلف ” محبوب باتي ” ( 1919 – 2000 ) ذلك الموسيقار المجدد لفن الشعبي و الذي أحدث ثورة هامة و منعرجاً حاسماً في تاريخ الطرب الجزائري بصفة عامة و الشعبي العاصمي بصفة خاصة و هذا بعد الإستقلال سنوات السبعينات و الثمانينات .
فقد قام هذا الأستاذ المبدع بإدخال موسيقى عصرية و تجديد الألحان و الإيقاعات التقليدية و جعلها أكثر عصرنة لتتماشى بشكل راقي مع الطرب العربي و العالمي في تلك الفترة .
و قد نجحت هذه الفكرة مع صوت و أداء الهاشمي ڨروابي في أغنية ” وحداني غريب ” ، ثم مع عبد القادر شاعو و نادية بن يوسف في الأغنية الخالدة ” الوالدين ” .
و عدة روائع أخرى أطرب بها المطربون جمهورهم داخل الجزائر و خارجها في أوروبا و أمريكا و الوطن العربي .
لقى الفن الشعبي نجاحًا جماهيرياً ساحقاً على مدار عقود من الزمن ، كونه فن الحكمة و الكلام الموزون و الموسيقى الملتزمة ، و قد عالج مطربي الشعبي المواضيع الاجتماعية و مسائل الحياة و الحب العذري ، و الجانب الديني بالحديث عن قصص الأنبياء و مدح الرسول محمد صلى الله عليه و سلم .
كما كان الشعبي منذ البداية يغنى بالقبائلية إلى جانب لهجة الدارجة الجزائرية ، فقد كان الشيخ الحسناوي ( 1910 – 2002 ) رائداً للشعبي القبائلي ، إضافة إلى الشيخ حسيسن ، سليمان عازم ، معطوب لوناس و الوناس خلوي .
ما زاد لهذا النمط الموسيقي جمالاً و صدى واسع في كل ربوع الجزائر .
مجدد آخر و مطور لفن الشعبي هو الملك الحزين الراحل كمال مسعودي ( 1961 – 1998 ) بأسلوبه الخاص و موسيقاه الهادفة التي ملكت قلوب الجزائريين .
و الذي غنى بالقبائلية و العربية و اشتهر بأغنية ” يا حسراه عليك يا دنيا ” و هو من مطربي جيل الثمانينات و التسعينات إلى جانب عبد المجيد مسكود ، سيدعلي لقام و مراد جعفري و غيرهم.
و يبقى الشعبي رمزاً للأصالة الجزائرية و غناءاً ضرورياً في أفراح الجزائريين و السهرات العائلية إلى يومنا هذا ، نظراً للمواضيع التي يتناولها على أوتار اللحن الشجي و الكلمات العذبة .