رويشد (1999-1921) ملك الكوميديا والتراجيديا الذي لن يتكرر مرة أخرى

عالم الكوميديا مكان نزهة بالنسبة له، ولا مجرد هواية، بل موهبة وعشق لفن اِستطاع من خلاله أن يدخل قلوب الجماهير واكتساب شعبية كبيرة، فأدى مختلف الأدوار في المسرح والسينما وحقق نجاحاً باهراً، ليبقى اسمه راسخاً في الذاكرة الفنية الجزائرية.
بحي القصبة العتيق بمدينة الجزائر، ولد أحمد عياد يوم 28 أفريل سنة 1921 لأسرة ميسورة الحال. دخل المدرسة الإبتدائية “ابراهيم فاتح” إلا أنه لم يتمكن من مواصلة دراسته بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي كانت تعاني منها أسرته، كما أنه فقد والدته وعمره إحدى عشر سنة، ما جعله يدخل عالم الشغل في سن مبكرة، ويمارس حرف بسيطة لتلبية احتياجات عائلته.
وخلال الحرب العالمية الثانية، قام الاستعمار الفرنسي بتجنيده إجبارياً سنة 1943 هو والعديد من أبناء الجزائر في تلك الفترة. ليعود سنة 1946 إلى بلاده ويتزوج ويصبح رب أسرة وأب لتسعة أبناء.
كانت بداياته في عالم التمثيل تأثراً بعدة ممثلين جزائريين من الرعيل الأول أمثال رشيد قسنطيني وسيدعلي فيرناندال، الذين غرسوا فيه حب ميدان الفن والكوميديا منذ صغره، فقد كان يحضر مسرحيات رشيد قسنطيني باستمرار في المسرح الوطني، ثم يقلده بعد ذلك أمام أبناء حيه مبرزاً موهبته الكبيرة في التمثيل الكوميدي وبراعته في تقمص شخصيات مختلفة. فاكتشفه محبوب اسطنبولي وقدمه للفنان المسرحي الكبير محي الدين بشطارزي الذي رعى موهبته ومنحه فرصة دخول المسرح وأداء مختلف الأدوار.
كانت أول تجربة له في المسرح ضمن مسرحية “النعسان” رفقة ملهمه الأول رشيد قسنطيني الذي استمد منه اسمه الفني “رويشد” تأثراً بهذا العملاق. وفي بداياته كان يؤدي الأغاني الفكاهية، ثم التمثيل المسرحي متنقلاً مع عدة فرق فنية منها فرقة محي الدين بشطارزي وفرقة رضا باي وفرقة محمد الرازي.
مثل رفقة عمالقة الزمن الجميل كالسيدة كلثوم، نورية، فتيحة بربار، محمد التوري، سيدعلي كويرات، حسان الحساني… وغيرهم من المبدعين، ومن أشهر الأعمال المسرحية التي ألفها وشارك فيها مسرحية “الغولة”، ومسرحية “البوابون” لمصطفى كاتب والتي نال بها عدة جوائز وأوسمة.
وبفضل الفنان بن يوسف حطاب التحق رويشد بالإذاعة الوطنية أين كان يقدم برامج و أعمال فكاهية أشهرها برنامج “اشرب واهرب”.
كان مجاهداً وعنصراً فاعلاً خلال الثورة التحريرية، وهو ما يتجلى في مسرحياته وأدواره التمثيلية… وبسبب أعماله المعادية للاستعمار، تعرض أحمد عياد للسجن مرتين، إلا أنه بعد الاستقلال زاول نشاطه الفني وأعطى كل ما لديه خدمة للمسرح.
لم يكن خريج مدارس أو معاهد في التمثيل، إلا أنه كان مدرسة فنية بحد ذاتها… تميز بخفة دمه وعبقريته في الأداء، كان يتقن فن الكوميديا إضافة إلى التراجيديا، وكان يعرف عنه أنه كان جدياً وصارماً في عمله وفي مواقع التصوير رغبةً في تقديم الأفضل. واحترف التمثيل بكل عفوية وارتجال بعيداً عن التصنع وهو الأمر الذي جعله محبوب الجماهير وأكسبه شعبية كبيرة في الوسط الفني.
ترك بصمة مميزة في عالم السينما بفضل احترافه للتمثيل الكوميدي والتراجيدي في العديد من الأفلام الناجحة منها فيلم “حسان طيرو” سنة 1967، و”معركة الجزائر”، كما أبدع في فيلم “العصا والأفيون” للمخرج أحمد راشدي سنة 1971، وفي أعمال سينمائية قيمة كفيلم “حسان الطاكسي” سنة 1982، “ميدالية لحسان” سنة 1986، و”حسان النية” سنة 1989، صانعاً مجد الفن الجزائري خلال سنواته الذهبية.
بعد سنوات من العطاء والإبداع في المسرح والكوميديا، توفي الممثل أحمد عياد يوم 28 جانفي سنة 1999 بالأبيار بالجزائر العاصمة، تاركاً وراءه إرثاً فنياً لا يندثر واسماً لامعاً لا ينتسى رغم مرور الزمن، كونه أسطورة الكوميديا والتراجيديا التي لن تتكرر مرة أخرى.
بقلم يانيس حاجم – Yanis Hadjem


