فن

الحاج محمد الغافور.. أسطورة الحوزي و عملاق الفن الأندلسي الأصيل

بلبل الجزائر و عندليب ندرومة الحاج محمد الغافور ، هو ملك الطرب الحوزي و الغرناطي و سيد النوبات الأندلسية الذي أطرب قلوبنا قبل أن يطرب أسماعنا … هو أيقونة الأغنية الجزائرية و مرجعاً هاماً للفن الأندلسي الأصيل .

بمنطقة ندرومة في تلمسان ، أرض العلم و القرآن ، ولد يوم 5 مارس عام 1930 محمد غفور ، وسط أسرة محافظة و متمسكة بالدين و العادات و التقاليد .

منذ طفولته بندرومة كان منشداً للمدائح و مجوداً للقرآن … تربى على تعاليم الدين و حفظ القرآن الكريم بالزوايا على الطريقة الدرقاوية المنتشرة في المنطقة . و جالس المشائخ و الأئمة فأخذ منهم العِلم و الأخلاق .
مارس حرفة صناعة النسيج إلى جانب والده ، و في نفس الوقت لفت إنتباه عمه الدرابكي بصوته الجميل فقرر تشجيعه .

تعامل مع عدة فنانين من تلمسان في قاعة ” المصرية” بندرومة أمثال سي دريس بن رحال و الحاج أحمد حسونة و الحاج غنيم النقاش و تعلم منهم الكثير .
اِهتم كذلك بحفظ القصائد و أشعار كبار شعراء الجزائر أمثال قدور بن عاشور الندرومي و غيره … و غنى لهم جميعاً و لحّن أبياتهم على أنغامٍ أندلسية أصيلة .

كان صاحب صوت مخملي رخيم و قوي ، مكّنه من إطراب المستمعين و متذوقي الحكمة و الكلام الملتزم ، فغنى في الأعراس و الحفلات محافظاً على الأصالة حينما أعاد بعث تراث الجزائر من شعر و قصائد … فاشتهر حافظ التراث برائعة ” ولفي مريم ” و ” سعدي ريت البارح ” ، ” يا لايم ” ، ” الزين الفاسي ” ، و ” مولات السالف الطويل ” و ” من لا درى بعشقي يدري ” غيرها .

بعد الاستقلال ، شكّل الحاج محمد الغافور فرقته الموسيقية الخاصة بالموسيقى الأندلسية ، و أحيى سهرات و أعراس و حفلات لا تنتسى بكل أنحاء الجزائر بروائعه الجميلة في طابع الحوزي و الغرناطي .
شارك عندليب ندرومة في المهرجان الأول للموسيقى الأندلسية عام 1967 بالجزائر العاصمة ، و كذلك في المهرجان الثاني عام 1969 أين أدى أغنيته الشهيرة ” ولفي مريم ” القصيدة التي كتبها الشاعر قدور بن عاشور فنال الجائزة الأولى ، و حقق نجاحاً كبيراً بروائعه صانعاً لمجد فنه و غنائه الأصيل ، فأصبح نجماً لا تزاحمه النجوم .

الحاج محمد الغافور رغم شعبيته بكل أرجاء الجزائر و الشهرة التي إكتسبها بغنائه الأصيل ، إلاّ أنه فنان لم يدخل يوماً استوديو التسجيل و رفض تسويق صوته و فنه و هذا من شدة تصوفه و خوفاً من أن يسمع غنائه في أماكن غير لائقة ، و اكتفى بإحياء السهرات و الحفلات .

بلبل الجزائر … صوته كأنه موج بحر طويل و متكامل من أبيات الشعر الفصيح على نغم يسافر بالعقل إلى تلمسان و الحضارة الأندلسية … رخامة صوت الحاج محمد الغافور تُعلق عليه طمأنينة القلب و خوفه ، فقد تميز بالفصاحة و القدرة في التحكم الصحيح في مخارج الحروف
كانت له الفرصة في الغناء أمام الملوك و رؤساء الدول القادمين إلى الجزائر ، و غنى بفرنسا و إيطاليا و المغرب و تونس … و في أرقى القاعات العالمية كمسرح اليونسكو .

في آخر حياته إعتزل أسطورة الحوزي الغناء بالإيقاع و الآلات الموسيقية و اِقتصر نشاطه على أداء الأناشيد و المدائح الدينية و خدمة الزوايا …
لكنه يبقى فنان ذو إسم ثقيل الوزن في الساحة الفنية ، عميد الفنانين الجزائريين حالياً ، و صوت رخيم راسخ في وجدان و ذاكرة متذوقي الطرب الأصيل .

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق