عميد الشعبي الحاج محمد العنقى( 1907-1978 ) سيد الحكمة والأصالة .
الحاج محمد العنقى عميد الأغنية الشعبية ، الصوت الراسخ في ذاكرة و وجدان الجزائريين و محبي الحكمة و الكلام الموزون الملتزم .
قد لا يعرف الكثير أن إسمه الحقيقي هو آيت وعراب محند إيدير ، هو من عائلة ذات أصول من أزفون العريقة مهد الفنانين و المبدعين .
بحي القصبة في الجزائر العاصمة ولد الحاج محمد العنقى يوم 20 ماي سنة 1907 .
تعلم في المدرسة الإبتدائية لبضعة سنوات ، لتحتم عليه الظروف ترك مقاعد الدراسة و التوجه للعمل من أجل لقمة العيش .
بدأ الاهتمام بالفن يظهر في نفسية و شخصية الحاج العنقى رغم معارضة والده ، و شرع في غناء بعض القصائد في طابع الشعبي الذي أسسه و وضع له القواعد و القوالب الأولى التي مهدت لتطوره و انتشاره بشكل كبير .
بدأ مشواره الفني مبكراً ، في زمن كان الغناء فيه وشمة عار في نظر المجتمع ، لكن حب الفن كان أقوى . تعلم الموسيقى و العزف على آلة المندولين مع مكتشف موهبته الغنائية الشيخ مصطفى الناظور أحد رواد الفن الشعبي الذي رعى هذه الموهبة التي أصبحت ذات يوم شهرة و نجاح .
كان الناظور صاحب فرقة فنية مشهورة تولى العنقى قيادتها بعد وفاته سنة 1926 .
أطلق عليه لقب العنقاء و هو نوع من الطيور نظراً لخفة يداه في العزف على آلة المندولين .
تعلم لبضعة سنوات في معهد الموسيقى بالجزائر العاصمة ، إلا أن البراعة في العزف و الاحترافية في الأداء التي يمتلكها كانتا سبباً في أن يصبح شيخاً و معلماً للشعبي الجزائري .
اِلتحق عميد الشعبي بالإذاعة الوطنية بمدينة الجزائر ، ليواصل مشواره في غناء و تلحين القصائد محققاً نجاحات مستحقة جعلت منه العميد الأول لأغنية الشعبي ، و متحصلاً شهرة لم يحققها أي مطرب شعبي آنذاك .
تميز الحاج محمد العنقى بالهدوء و الحكمة و بعد النظر الذي يتجلى في كلماته ، كما اِتسم بالسلاسة و الروعة في الأداء و الطرب .
يحتوي السجل الغنائي للعنقى على حوالي 300 أغنية مسجلة على شكل أسطوانات أو في الإذاعة الوطنية التي اشتغل بها منذ بداياته و تولى قيادة فرقتها الموسيقية .
إستطاع أن يكون معلماّ لأجيال من الفنانين و الذين بفضله أصبحوا قامات فنية .
أطرب محبيه و متذوقي الغناء الأصيل في أمسيات و سهرات لا تنتسى بأجمل و أشهر روائعه : “سبحان الله يا لطيف ” ، ” مكناسية خلوية ” ، ” مرسول فاطمة ” ، ” الحمام اللي ربيتو ” ، ” الحمد لله مابقاش استعمار في بلادنا” … و غيرها .
و في الغناء القبائلي كان قدوة لعدة مطربين منهم معطوب لوناس ، و غنى بالقبائلية أغنية ” إزري يغلب لحمالي ” (دموع بصري كأنها فيضان ) و هي قصيدة مؤثرة عن فراق الأب عن اِبنه .
اِنطفأت شمعة الأسطورة الجزائرية للغناء الشعبي الأصيل يوم 23 نوفمبر سنة 1978 بالجزائر العاصمة .
و رحل الحاج محمد العنقى تاركًا ألماً في قلوب محبيه و فراغاً لا يعوض … و لكن مخلداً إسمه في تاريخ الثقافة الجزائرية بغناء عذب و أصيل جعل منه الأسطورة الفنية التي لن تتكرر مرتين .