فن

الغالية (1944-2024) سفيرة التراث والأغنية السطايفية رحلت في صمت

المطربة القديرة الغالية سيدة الأغنية السطايفية وسفيرة التراث السطايفي لعقود من الزمن، هي فنانة سطع نجمها في سماء الساحة الفنية الجزائرية خلال سنوات الستينات والسبعينات بأجمل روائع الطرب الجزائري الأصيل، إلا أنها عانت من التهميش والنسيان في السنوات الأخيرة من عمرها، لترحل في صمت ومنسيةً من طرف الإعلام رغم عطائها الفني وإبداعها في الغناء السطايفي في مسيرة فنية عمرها 60 عاماً.

هي السيدة يمينة زبيري المعروفة فنياً باِسم “الغالية”، المولودة يوم 22 جوان سنة 1944 بعين عباسة ولاية سطيف التي لاطالما أحبتها وتغنت بها في أكثر من أغنية.
منذ طفولتها كانت تمتلك يمينة صوتاً عذباً صافياً مكنها من التميز والانجذاب شيئاً فشيئاً إلى ميدان الفن والغناء، وهو الأمر الذي منحها فرصة دخول المسرح الوطني الجزائري سنة 1963، وقد كانت أولى خطواتها في عالم الكتابة والتلحين.

بدأت الغالية مشوارها الفني كمغنية ضمن الفرقة الصوتية للمسرح الوطني لمدة أربع سنوات، وتعاملت مع الملحن التونسي الحبيب عبد الكريم. ثم في سنة 1967 أصبحت تغني منفردة عن الفرقة الصوتية، ورافقت كل من السيدة سلوى وشريفة في جولة فنية بفرنسا، وهناك شاءت الأقدار أن تلتقي بالفنان صالح سعداوي (2005-1936) أحد كبار مطربي الغربة ونجم ساطع للأغنية الجزائرية والقبائلية، فتعاملت معه في أكثر من أغنية، ليتزوج الثنائي في باريس بعد سنة واحدة من اِلتقائهما، وهو الأمر الذي عزز موهبتها الفنية في تلك الفترة.

وبالتالي صار زوجها صالح سعداوي ملحنها الوحيد وكاتب حوالي 50 أغنية من أغانيها التي حققت بها نجاحاً جماهيرياً مذهلاً في تلك الفترة؛ عصر التوهج الذي عرفته الأغنية الجزائرية. فقد زودها برائعة “يا طيارة طيري بيا” التي كانت أولى نجاحات الغالية سنة 1968، الأغنية التي دخلت قلوب المغتربين بديار الغربة آنذاك، وأغنية “يا العمر يا العمر”، و “مشى لفرنسا وخلاني”… كما أدى الثنائي أغنية “غريب وغريبة” ديو تناولا فيه موضوع المنفى والحنين إلى الجزائر. فقد حققا معاً نجاحات مستمرة في فرنسا أين قاما بجولات فنية مكللة بالنجاح وحفلات عديدة لا تنتسى…
وفي سنة 1974، عادت الفنانة الغالية إلى الجزائر بعد سنوات من الإنتاج بفرنسا، وكرست مشوارها الفني في خدمة طابع الأغنية السطايفية، خاصة بعد تعاملها مع الملحن الكبير معطي بشير.

هي أول مطربة أدت الأغنية السطايفية وأحيت التراث السطايفي، فقد غنت رفقة علي الخنشلي أغنية “مانيش منا غير المانو جابني” التي لاقت نجاحاً كبيراً آنذاك، كما غنت كلمات العديد من الشعراء أمثال عبد الله كريو، عبد الرزاق جبالي، ومحمد مختاري.

واصلت إبداعها في الطرب وتربعت على عرش الأغنية السطايفية لعقود من الزمن بأنجح روائعها على غرار “صالح يا صالح” من التراث الشاوي،  وغنت عن المواضيع الاجتماعية “يا خالي يا خالي” سنة 1968، “شفور الطاكسي”، “مشى لفرنسا وخلاني”… وغنت لمسقط رأسها سطيف رائعة “يعجبني سطيف العالي”، و”حنا سطايفية”، و”خشيت باب سطيف”…
كما تفننت في أداء أغاني أخرى نذكر منها “قمري يا قمح اللون” في حوالي سنة 1977، “قلبي حزين”، “لالة لميمة”، “يا الغدار”، ورائعة “مد يدك للحنة” التي لا يستغنى عنها في الأفراح والأعراس، والأغنية الثنائية “غير اطلب يا ضيف” رفقة الفنان محمد المازوني… فقد شرفت الجزائر والتراث السطايفي أحسن تشريف وكانت أفضل سفيرة لهذا الطابع الغنائي في تلك الفترة، فقد جابت مختلف أقطار الوطن العربي والمشرق والمغرب فقد غنت في تونس والمغرب، وفي بلدان أوروبا في فرنسا، سويسرا، وروسيا… محافظةً على الأصالة والموروث الثقافي.

فقد نجحت في إخراج الأغنية السطايفية من المحلية وجابت بها عواصم العالم، رغم العراقيل والصعوبات التي واجهت الفنانة الغالية في فترات مضت خاصة في بداية مشوارها الفني أين كان يعتبر غناء المرأة بصمة عار، فقد صرحت في لقاء صحفي قائلة: “الأمور كانت أصعب مما كنت أتصور، وبالتالي البداية كانت شاقة، غير أنني لم أيأس ولم أفشل بدخولي للعاصمة وأنا لم أبلغ بعد سن العشرين، ما جعلني دائمة اليقظة حول كل الأمور ، وأحسب ألف مرة قبل اتخاذ أي خطوة، إلى أن وصلت للأسرة الفنية بالعاصمة التي تبنتني كطابع جديد يمكن أن يثري الساحة الفنية”.
كرمت عدة مرات في التظاهرات الفنية وفي مختلف المهرجانات، كما تم تكريمها في شهر ديسمبر سنة 2018 بالمسرح الوطني الجزائري من طرف الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة رفقة الجمعية الفنية “الألفية الثالثة” في حفل بهيج يليق بمقام هذه السيدة التي خدمت الفن الجزائري منذ الستينات.

بعد سنوات من العطاء، توفيت المطربة القديرة الغالية يوم 6 أكتوبر سنة 2024 بسطيف عن عمر ناهز 80 عاماً. وانطفأت شمعة رائدة الغناء السطايفي التي سقطت في تقلبات النسيان، تاركةً وراءها أكثر من 250 أغنية تعد إرثاً فنياً لا يندثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى